{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء } النساء34
القرآن كلام الله الذي نزل باللسان العربي المبين، والفرق بين كلام الله، وكلام الناس كالفرق بين المُتَكَلِّمَين، فالنص القرآني له
ومن أخطر الأمور التي سببت تخلف المسلمين، وحالت بينهم وبين نهضتهم ورُقيِّهم؛ تَب&auتَبنيهم مقولة إمكانية وجود لفظين مختلفين لهما ذات المعنى، التي اشتهرت خطأً في كتب النحو باسم الترادف، مثل قعد وجلس، سنة وحديث، أراد وشاء، نزل وهبط، بشر وإنسان، قام ووقف، والد وأب،...الخ، وأصابت هذه المقولة النص القرآني مقتلاً من حيث الفهم والدراسة، لأن الكلمات صارت تحل بدل بعضها بعضاً ، وضاع المفهوم القرآني!.
وهذه المقولة باطلة على صعيد الواقع الكوني، والنص القرآني، والصواب هو: قاعدة (إذا اختلف المبنى اختلف المعنى) التي تدل على أن كل لفظ له مفهوم خاص به مثل بصمة أصبع الإنسان، وهذا المفهوم للفظ هو ثابت من حيث الجذر، ولكنه يتحرك من حيث المعنى وَفق مقصد المتكلم ، مثل:
كلمة كتب: التي تدل على قيام الإنسان بجمع شيء متجانس. وهذا المفهوم ثابت لساناً ومتحرك من حيث المعنى الذي يريده المتكلم. لنرى أمثلة على ذلك في الواقع لنضع يدنا على المفهوم الثابت، والمعنى المتحرك.
- كتاب: اسم للشيء الذي يتم فيه جمع الأمر المتجانس، ولا يُشترط أن يكون مادياً مثل الكتب الورقية المعروفة، بل يمكن أن يكون معنوياً مثل إتمام عقد النكاح بين طرفين نقول: كتبنا كتابه.
ويمكن في الكتاب الواحد أن يتضمن عدة كتب، مثل كتاب الفقه يحتوي كتاب الصلاة ، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام.
- مكتبة: كلمة تدل على الشيء الذي يضم ويحتوي على مجموعة من الكتب.
- كتيبة: كلمة تدل على مجموعة من الناس اجتمعوا على أمر معين.
- مكتب: كلمة تدل على مكان يحتوي على أدوات لصنع شيء، أو إدارته، مثل مكتب محاماة أو مكتب تجاري.
هل لاحظتم مفهوم كتب الذي يدل على الجمع المتجانس كيف هو ثابت في كل الاستخدامات، وكيف معناه متحرك حسب المعنى الذي يقصده المتكلم من حيث اختلاف الزمان نحو: كتب- يكتب- اكتب، أو اختلاف المكان أو الوظيفة نحو مكتب -كتيبة -كتاب؟.
وهذا يوصلنا إلى قاعدة ( ثبات المفهوم اللساني وتحرك المعنى حسب السياق) وهي أصل لقاعدة (إذا اختلف المبنى اختلف المعنى)، فهاتان القاعدتان ينبغي أن ندرس النص القرآني على موجبهما.
لنأخذ أمثلة على اختلاف مفهوم الكلمات إذا اختلف مبناها:
- والد أو والدة: تدل على الجهة التي تقوم بعملية الولادة المعروفة، وهي خروج شيء من شيء.
- أب: كلمة تدل على الجهة التي تقوم بالتربية والعناية بالشيء.
- أم: كلمة تدل على المركزية والأصل والتجمع المتصل، مثل المرأة التي تقوم بضم ولد لها والحفاظ عليه وحمايته.
- ولد : هو الذي خرج من شيء آخر فيكون هذا الأخير والداً له.
- ابن : هو الذي تم صنعه وصياغته بشكل معين، فيكون الذي صنعه أباً له أو أمّاً.
انظروا للفروق بين الكلمات، وللعلاقات بينها أيضاً؟
فالوالد يمكن أن يضيف لنفسه صفة الأب، ويصير والداً وأباً في وقت واحد إذا قام بتربية ولده، فيصير له ابناً. ويمكن أن يموت الوالد أو يوقف عملية تربية ولده لظرف ما، فيكون ولده ولكن ليس ابنه!، وإنما ابن لمن قام بتربيته؛ سواء أكان عمَّه أم خاله أم غيره من الناس، فالوالد هو صاحب النطفة، والأب الذي يقوم بالتربية والعناية.
وبمعنى آخر؛ الوالد وظيفة فيزيولوجية موجودة في كل الكائنات الحية، والأب وظيفة ثقافية.
والآن انظروا لأنفسكم هل أنتم مجرد والدين لأولادكم ؟ أم مارستم صفة الأبوة على أولادكم فصرتم لهم آباء، وصاروا لكم أبناء؟ فكم من أولاد يتامى رغم حياة والدهم!، لأن والدهم لا يمارس صفة الأبوة عليهم! لأن اليتم هو فقدان الأب الوالد!.
إذاً؛ ليس كل والد أب بالضرورة لأنه يمكن أن يفقد الإنسان والده لسبب ما، ويتبناه آخر يكون أباً له، ويمكن أن يكون الوالد هو نفسه أباً، فمقام الوالد لا يتعدد، بينما مقام الأب يمكن أن يتعدد، فيصير للولد أباً في التربية والتعليم، وأباً آخر في العناية والمعيشة.
وما ذكرته من فروقات وعلاقات للوالد والأب ينطبق أيضاً على الوالدة والأم، فيمكن أن تكون المرأة والدةً وأمّاً في وقت واحد، ويمكن أن تكون والدةً فقط، ويكون للولد أمّاً أخرى مثل خالته أو عمته، أو امرأة أشرفت على تربيته والعناية به مثل أم الرضاعة، أو معلمته دراسة وتعليماً وثقافة.
فلينظرن الوالدات هل هن أمهات لأولادهن؟ أم هن مجرد والدات فقط؟ وتركن مقام الأمومة لغيرهن؟! وصار الأولاد لطماء رغم وجود والدتهن!، لأن اللطم هو فقدان الأم الوالدة!.
فإياكم أيها الوالدون والوالدات أن يكون أولادُكم؛ أبناء لغيركم!.
أيها السادة الكرام
إن الجنس الإنساني له صورتين أو نوعين في الوجود، أحدهما ذكر، والآخر أنثى، لنرى تعريف كل منهما:
- كلمة (ذَكر) تدل على دفع فعل بشكل شديد ملتصق مع ضغط خفيف منته بتكرار، وظهر هذا المفهوم بالوظيفة الجنسية التي يقوم بها هذا الكائن فَسُمِّي ذكراً سواء أكان عاقلاً أم بهيمة، وهي تسمية نَوعية ووظيفية فاعلة ليس إلاّ.
- كلمة (أنثى) تدل على ظهور خفيف متوقف وستر واختباء مدفوع بشكل ملتصق خفيف منته بإثارة وامتداد زماني ومكاني معاً. وظهر ذلك المفهوم بوظيفة النوع الذي يحتضن نتيجة الدفع الشديد للذكر فسمي أنثى سواء أكان عاقلاً أم بهيمة، فهي تسمية نَوعية ووظيفية منفعلة ليس إلاّ.
والعلاقة بينهما علاقة زوجية تكاملية في الوظيفة والحياة؛ لا علاقة تفاضل بينهما، فليس الذكر أفضل من الأنثى، ولا الأنثى أفضل من الذكر، ومثلهما كمثل فَلقتي حبة الفول، فالواحدة منهما لا تسمى حبة فول، ولا يمكن أن تستمر في الحياة وحدها، ولا يصح السؤال أيهما أفضل؟ لأن لكليهما ذات القيمة والأهمية، وكذلك لا يصح السؤال أي منهما وُجد قبل الآخر؟ لأن كليهما وُجدا معاً في وقت واحد.
ومثلهما أيضاً كمثل علاقة اليدين معاً، فاليد اليمنى هي زوج لليد الشمال، والعكس صواب، والعلاقة بينهما علاقة تكامل في الوظيفة لا علاقة تفاضل، والتفاضل بينهما لم يأت من صفة اليمين أو الشمال، وإنما أتى من حالة التفعيل والفاعلية، فمن يعتمد في حركته وعمله على اليد اليمنى تكون بالنسبة إليه هي الأفضل، ومن يعتمد على اليد الشمال تكون هي الأفضل بالنسبة إليه، فالأمر يتعلق بالفاعلية وليس بالنوعية، رغم أن الأفضل أن يكون الإنسان بنوعيه (ذكر وأنثى) كلاهما فاعل في الحياة الاجتماعية مثل فلقتي حبة الفول.
- بعد هذا المدخل نستطيع أن ندرس مفهوم الرجال والنساء في القرآن من منطلق أن كليهما إنسان، و مستخدمين القاعدتين المذكورتين وهما:
أ- ثبات المفهوم لساناً وتحرك المعنى.
ب- إذا اختلف المبنى اختلف المعنى.
كلمة (رَجَل) في اللسان العربي تدل على فعل يصدر من الكائن الذي يتحرك بصورة مستمرة مع بذل الجهد بصورة لازمة. ومن هذا الوجه يقال للراكب : تَرجَّل. بمعنى النزول عن مركوبه والسير على قدميه. وسُمِّيَت الأرجل من هذا الباب، ولا يصح تسمية قوائم الطاولة أرجلاً!.
انظروا قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا }الأعراف195، {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ }النور45
ويقال للإنسان ( ذكراً أو أنثى) رَجُل، إذا كان في شؤون حياته يعتمد على نفسه، فالأنثى العاملة والمنتجة هي رجل في معيشتها، ويقال لها الرَّجُلة في لسان العرب. و لا تنسوا أن النحلة الأنثى هي العاملة في الخلية وهي التي تنتج العسل، بينما النحلة الذكر وظيفتها اللقاح فقط، وكلاهما لابد منهما.
إذاً؛ كلمة (رجل) لا علاقة لها بنوع الإنسان ذكراً أو أنثى!، وإنما علاقتها بالفاعلية منهما.
لنرى استخدام القرآن لكلمة (رجل):
أتت كلمة (رجل) بمعنى الذكور البالغين العاملين:
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }الأحزاب40
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }الأعراف81
لو كان القصد إتيان الذكور فقط لأتت كلمة (ذكور) أو الأولاد الذكور!،ولكن بمجيء كلمة (رجال) أفادت الذكور البالغين العاملين، وخرج من مفهومها الإناث البالغات بدلالة مجيء كلمة (نساء) التي دلت على المتأخرين من نوع الإناث البالغات حسب السياق المتعلق بالممارسة الجنسية.
- أتت كلمة (رجل) تشمل الذكور البالغين العاملين و الإناث البالغات العاملات معاً:
{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }الأحزاب4
{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }التوبة108
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }الجن6
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27
- أتت كلمة (رجل) بمعنى الترجل:
{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة239
إذاً؛ كلمة (رجل) لها ثلاث حالات:
1- الذكور البالغين العاملين فقط.
2- الذكور البالغين العاملين و الإناث البالغات العاملات، مجتمعين أو متفرقين.
3- صفة الترجل لكلا النوعين ذكراً أو أنثى.
ومعرفة دلالة كلمة (رجل) أمر يتعلق بسياق النص ومحل الخطاب من الواقع، لأن ليس كل ذَكر رجل، ولا كل رجل ذَكر.